سورة الجن - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} هو إبليس عند الجمهور وقيل مردة الجن والإضافة للجنس والمراد سفهاؤنا {عَلَى الله شَطَطًا} أي قولًا ذا شطط أي بعد عن القصد ومجاوزة الحد أو هو في نفسه شطط لفرط بعده عن الحسن وهو نسبة الصاحبة والولد إليه عز وجل وتعلق الايمان والتصديق بهذا القول بناء على ما يقتضيه العطف على ما في حيز {فآمنا} [الجن: 2] ليس باعتبار نفسه فإنهم كانوا عالمين بقول سفيههم من قبل بل باعتبار كونه شططًا كأنه قيل وصدقنا إن ما كان يقول سفيهنا في حقه سبحانه كان شططًا.


{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)}
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِبًا} اعتذار منهم عن تقليدهم لسفيههم أي كنا نظن أن لن يكذب على الله تعالى أحد فينسب إليه سبحانه الصاحبة والولد ولذلك اعتقدنا صحة قول السفيه ولعل الايمان متعلق بما يشعر به كلامهم هذا وينساق إليه من خطئهم في ظنهم كأنه قيل وصدقنا بخطئنا في ظننا الذي لأجله اعتقدنا ما اعتقدنا وكذبا مصدر مؤكد لتقول لأنه نوع من القول كما في قعدت القرفصاء أو وصف لمصدر محذوف أي قولًا كذبًا أي مكذوبًا فيه لأنه لا يتصور صدور الكذب منه وإن اشتهر توصيفه به كالقائل وجوز أن يكون من الوصف بالمصدر مبالغة وهي راجعة للنفي دون المنفي وقرأ الحسن والجحدري وعبد الرحمن بن أبي بكرة ويعقوب وابن مقسم تقول مضارع تقول وأصله تتقول بتاءين فحذفت أحدهما فكذبا مصدر مؤكد لأن الكذب هو التقول.


{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)}
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الجن} كان الرجل من العرب إذا أمسى في واد قفر وخاف على نفسه نادى بأعلى صوته يا عزيز هذا الوادي أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك يريد الجن وكبيرهم فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الجن والإنس وذلك قوله تعالى: {فَزَادوهُمْ} أي زاد الرجال العائذون {رَهَقًا} أي تكبرًا وعتوًا فالضمير المرفوع لرجال الإنس إذ هم المحدث عنهم والمنصوب لرجال الجن وهو قول مجاهد والنخعي وعبيد بن عمير وجماعة إلا أن منهم من فسر الرهق بالإثم وأشند الطبري لذلك قول الأعشى:
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها *** لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقًا
فإنه أراد ما لم يغش محرمًا فالمعنى هنا فزادت الإنس والجن مأثمًا لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالًا لمحارم الله تعالى أو فزاد الجن العائذين غيًا بأن أضلوهم حتى استعاذوا بهم فالضميران على عكس ما تقدم وهو قول قتادة وأبي العالية والربيع وابن زيد والفاء على الأول للتعقيب وعلى هذا قيل للترتيب الإخباري وذهب الفراء إلا أن ما بعد الفاء قد يتقدم إذا دل عليه الدليل كقوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} [الأعراف: 4] وجمهور النحاة على خلافه وقيل في الكلام حذف أي فاتبعوهم فزادوهم والآية ظاهرة في أن لفظ الرجال يطلق على ذكور الجن كما يطلق على ذكور الإنس وقيل لا يطلق على ذكور الجن ومن الجن في الآية متعلق بيعوذون ومعناها أنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإنس وكان الرجل يقول مثلًا أعوذ بحذيفة بن بدر من جن هذا الوادي وهو قول غريب مخالف لما عليه الجمهور المؤيد بالآثار ولعل تعلق الايمان بهذا باعتبا رما يشعر به من كون ذلك ضلالًا موجبًا لزيادة الرهق. وقد جاء في بعض الأخبار ما يقال بدل هذه الاستعاذة ففي حديث طويل أخرجه أبو نصر السجزي في الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس وقال غريب جدًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أصاب أحدًا منكم وحشة أو نزل بأرض مجنة فليقل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزها بر ولا فاجر من شر ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن فتن النهار ومن طوارق الليل إلا طارقًا يطرق بخير».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8